الكــــــــــــــــارس
للكاتبة: حمران النواظر
الجزء الأول ....
بتلك الظهيرة الملظية, وتلك الرطوبة المتقطرة على ظهور المشاة, وبتلك المحطة العارية من ظلٍ يقي الناس من ألهبة الشمس الحارقة وقف حبيب.. وهو يشد عينيه من قوة الشمس وذهنه يراقب تلك القطرات السائلة من على جبينه, تارة يمسحها وتارةٌ أخرى يتجاهلها لتنصب على عينه مخترقة شعيرات حاجبيه.
إنها الثانية عشر وهاهي الشمس تتفنن بإرسال حرارتها إلى الجموع المتحركة بالشوارع, بالعمال الوافدين الذين حشروا في حفرة بالشارع وهم يصلحون ما يجب إصلاحه أو أولئك المشاة من السوق إلى المحطة, أو بحبيب الذي انتهى من مهمة يومه الجديد من رحلة البحث عن العمل. قدم سيرته الذاتية لأكثر من محل ولأكثر من فندق, وكلها لا تبشر خيراً ولكن الأمل بالله كبير.. رغم كونها أعمالا غير مشرفة الا ان قابل بها.. فهو لايمتلك الكثير من المؤهلات..
وقف وهو يسند رأسه الى ذلك العمود الساخن متململا ويحس بالانهاك يأكل جسده. يتمنى قطرة ماء يطفئ به لظى العطش ولكنه لن يتحرك من هنا.. تحرك بما فيه الكفاية الى ان فوت الباص مرتين.. وطالت فترة انتظاره بسبب هذا التحرك.. لا.. سيظل قابعا في هذه البقعة وسيشرب بعد ان يرجع البيت..
لكن.. هاهو نداء رب العالمين للخلق بالتوقف عن الحراك.. والاستماع لأمر الذكر.. الله اكبر الله اكبر الله اكبر الله اكبر.. وهاهي فرصة الرجوع للمنزل تهرب عن حبيب لأن عليه الحراك والبحث عن مسجد للصلاة.. لم تتجاوز رجليه خطوتين الا والباص يمر امام عينيه وكيف ان حدقتي حبيب التزقتا بذلك الباص وكأنها منال الطالب.. لكنه اشاح ببصره بحسرة وذهب الى دربٍ أكرم من الأول, سيقدر رب العالمين هذه التضحية منه, وسيجد له الوسيلة التي سترجعه الى المنزل.
ولكن.. لم هو متشوقا للذهاب للمنزل؟ ألم ينال القدر الكافي من شتائم أبيه؟ أم إن لقب الفاشل يعجبه كثيرا بحيث انه متشوق لسماعه بذلك الصوت؟..
تمشى بغير حواس وبغير احساس بالإتجاه.. يبحث عن مسجد ولكن لظى العطش والتعب ابعده عن الصواب فبقي يدخل في ممرات وازقة لم تألفها عينيه ولا لدقيقة..
حتى تلك اللحظة عندما وصل الى ذلك المسجد القديم بعض الشيء لكنه لم يعبأ ودخله.. نزع حذاءه ولصونه عن السرقة وضعه في سدةٍ لا تقرب لها عين وبالأخص يد.
وقف منتظرا دوره للصنبور مراقبا تدفق الماء, احسه كقصيدة عشق وكما يذكر فيها عندما تتدفق عاطفة الشاعر بها.. زاد عطشه في تلك اللحظة ولكن انتظاره كان بسيطا بالمقارنة مع صبره السابق للباص.. وما ان كشف الصنبور عن الناس.. بهدوء اقبل عليه وهو يفتحه.. لتتدفق تلك العاطفة الباردة على يده ويغلق عينيه شكرا وحمدا لنعم الله التي يغفل الناس عنها بانتظار ملذات الدنيا الكاذبة.
روى عطشه ومن بعده توضأ ووجه نفسه للقبله ورفع يديه بدعاء الوضوء ومن بعدها دخل ذلك المسجد, كان قديما لكن شيئا من الألفة يحيطه.. شيئا من التقريب ومن التحبيب به, يمكن لانه يجمع الناس في أوقات تتوقف فيها أعمال الدنيا للقيام بأعمال الآخرة.
وبإقامة إمام الصلاة, بدأت الملائكة تعد انفسها لنقش ما ينقش من خير عمل هؤلاء المصلين, الا حبيب الذي يطوف به شعور غريب يدغدغ قلبه ويدفع بالدمع في عينيه لدرجه انه صعب عليه الصلاة الا بعد ان استغفر ربه لمدة من الزمن.. هدأت اناته المتصاعدة في قلبه.. كبر وبدأت صلاته..
على الرغم من الصفات السيئة التي تشربها دماغه طول تلك السنوات الا انه لم ينسى اهمية التعمق في الصلاة.. وكلام امه عندما كان صغيرا بدروس الصلاة ان الصلاة ليشت صلاة فقط. بل هي لحظات يجد فيها الانسان سبيلا للوصول, وللوقوف امام عظمة الله وهو مخفض البصر لعزة الله لطلب ما يستحيل الحصول عليه في هذا الزمن او عصر هؤلاء القساة الذين لا يرحمون من كانت غشاشة المراهقة تعصب عينيه وتمنعه من رؤية ماهو لصالحه.. لا يعرف لما انهاالت تلك الدموع من عينيه عندما بدأ الصلاة.. حاول ان يداريها وهو يعرف انها قد تكسر صلاته الا انه لم يجد سبيلا لصدها او منعها.. فهي كانت هائجة وثائرة واكتفى فقط بمسحها والتوقف عن الصلاة لمدة.. وجلس متهالكا مكانه وهو يصب من فيض عاطفته المهزوزة والمجروحة وهو يضم رأسه لركبتيه..
لم يرفع رأسه الا بعد ان احس ان المكان كشفت انواره والجموع غادرت عائدة الى واجبات الدنيا.. مسح عينيه المتقدتان وهو يحاول رفع ثقل جسده النحيل ليقف ويصلي.. وما ان وقف حتى اتاه شيخ نجيب وابتسم في وجهه.. ابتسامةً أعادت تلك المشاعر الفياضة الى قلب حبيب وهو يكابد سيلان الدمع بابتسامة.
الشيخ النجيب وهو يمسك بكتفه: لم ارك تصلي مع المصلين.. ما بالك يا ولدي؟؟ اشي تشكي منه ؟
حبيب بصوته الحزين: لا شي يا عمي وانما... لم استطع.. ...
ضاعت الكلمات منه وهو يمسح على صدره.. وبالاخص منطقة القلب.. ولاحظ الشيخ الجليل مدى حزن الشاب ومدى ضياعه.. فقرب نفسه له اكثر ودقق في تلك العينين الجميلتين اللتين زينتا بلمعة الدمع..
الشيخ الجليل: اكنت تبكي ايها الشاب؟
سقطت دمعة من عين حبيب وهو ينفي: لا يا شيخ.. لم اكن ابكي..
ابتسم الشيخ الجليل وهو يربت على كتفه: تعال معي يا ولدي.. أريد ان اريك شيئا
هز حبيب رأسه ايجابا ولحق الشيخ الذي كان من الكهولة حيث انه يضغط على رجلا والاخرى تسيره.. نظر اليه حبيب بكل تقدير.. مع المعرفة السطحية الا ان احساسه بهذا الشيخ كان كبيرا ويلفه التقدير..
وقف الشيخ وهو ينظر بحيرة الى تلك الكتب المصفوفة على احد جانبي المسجد.. يحاول ان يجد ما تصبو اليه عينيه.. وعندما فعل.. التفت الى الشاب بعينين مشعتين: لقد وجدت شيئا سينال اعجابك..
حبيب وابتسامته الخفيفة لونت وجهه وهو يحاول ان يعرف ماالذي يعنيه الشيخ.. وانحنى الشيخ ليلتقط ذلك الكتاب الذي كانت صفحة غلافه فارغة وعندما اخذه اصدر تأوهات لألم ما يشكو منه.
حبيب باهتمام بالغ: سلامتك.. أتشكو من شي؟
ابتسم الشيخ الجليل: اشكو كبر السن يا ولدي.. فهل لك دواء له
ابتسم حبيب في وجه ذلك الشيخ, وقدم الشيخ الكتاب ليد حبيب العاقد حاجبيه باستغراب
الشيخ:.. امستغرب؟؟ حسنا.. خذ هذا الكتاب مني .. وافتحه بنفسك.. واقرأ ما استطعت قرائته.. علك تجد ما يسكن أنينك ويهدئ نفسك الهائجة.. فأنا اذكر نفسي بعمرك.. كنت محتاجا لشي كهذا الكتاب..
اخذ حبيب الكتاب وهو ينظر بامتنان الى وجه الشيخ الجليل .. اشاح بوجهه وتوجه ناحية الباب وغادر المسجد..وقبيل مغادرته
التفت الى حبيب بإبتسامة: ... الشباب بهذه المرحلة.. خطيرة عقولهم.. تريد الوصول الى شيء ولكنها تحجب ما تراه بعين القلب وتبقي عين البصيرة.. اغلق الاخيرة وافتح الأولى.. وستجد ما تريده..
بذهول نظر الى الشيخ وهو يغادر.. لم يفهم شيئا مما قاله.. عين البصيرة وعين القلب.. ما معنى هذه الالغاز.. نظر امامه ووجد ساعة معلقة .. انها الثانية والنصف.. يا ويلي ان الوقت يمر علي وانا لا ادركه.. اسرع ناحية مكانه السابق.. اخذ نفسا عميقا. ووجه قلبه الى رب العالمين.. وبهدوء الملائكة.. كبر..وأبتدأت صلاته..
بعد انتهاء الصلاة. .احتار. ايهب للمغادرة من المسجد ام يرتاح قليلا .. -وهويلتفت الى الكتاب بهدوء- ليقرأ ويكتشف شيئا من غياهب هذا الكتاب الغامض من نوعه.. مد يدينه نحو وهو يرتقب-متفائلا- ما قد يقرأه او يجده.. فتح اولى الصفحات.. فوجدها خالية الا من كلمة.. الحمد لله رب العالمين.. تصفح للمزيد.. فلم يجد شيئا.. تابع التصفح.. وكانت النتيجة عينها.. لا شيء.. غرق في الدهشة والغرابة.. ما هذا الكتاب الذي تفتقر صفحاته للكلمات.. التفت الى الطريق الذي سار فيه الشيخ وهو يخرج.. وخاطب نفسه: ما الذي عناه الشيخ بقوله عن هذا الكتاب الخالي؟؟
وصدر الصوت الذي قطع حبل افكاره.. كان هاتفه النقال.. رفعه ليجد "أب حبيب" يتصل به.. انه والده.. لابد وانه يتصل ليتأكد من حصولي على العمل او لا.. وستجدد الخيبة .. وسيتجدد النزاع وسيضطر ان يسمع خطبة ابيه التي لا يمل منها.. اكان عليك ان تضيع عمرك في ما لا نفع به.. كنت شيئا وتحولت الى لا شيء.. ما اعذبها كلمات صح؟؟ صدقوا او لا تصدقوا.. من بعد المدرسة التي غادرها حبيب اضطرته الحياة ان يستمع لها بشكل يومي..
حبيب: اهلا بابا
أب حبيب بزمجره: اين انت؟؟ مازلت في بحثك عن العمل ايها الفالح..
حبيب وهو يتنهد: لا بابا انا في المسجد.. توقفت لكي اصلي وها انا عائد للمنزل
أب حبيب وهو يرفع حاجبا ويهدئ من صوته: لا تعد للمنزل فورا.. اذهب الى اب هشام يريدك في شيئ..
ضاق صدر حبيب: وما الذي يريده مني؟
عادت زمجرة اب حبيب: يريد لك الخير ايها المغرور.. وجد لك عملا يناسبك.. بالطبع بعد توصيتي التي لا تستحقها..
صمت حبيب قليلا.. وعادت الروح الثائرة فيه: اشكرك يا ابي.. لكن.. ما لا استحقة لن اخذه
اب حبيب: ماذا؟؟ اعد ما قلت
حبيب بثبات: اسف.. ولكني لن اقبل بهذا العمل.. سأجد عملا بنفسي.. اشكر توصيتك التي لابد وكانت رائعة ليقبل ابو هشام توظيفي..
اب حبيب بصياحه العالي كالاسد الهائج: انك لا تستحق شيئا .. انت نكرة يا حبيب.. ستظل نكرة حتى تنقضي ايامك بهذه الدنيا.. يوم xxxxxxxxxxxxxx الذي اتت امك بك الى هذه الدنيا.. عاق وطويل اللسان.. لم تتعلم شيئا الا الثرثرة..
انهى الاب تلك المحادثة المؤلمة التي من شدة وقعها ظل الهاتف بجانب اذن حبيب وهو يستمع لذلك الصوت يتأجج صداه في السكون.. احتار بين نفسه.. ايبكي؟؟ ام يسكت ويقبل كلام والده كما قبل بما هو اشد منه.. انزل الهاتف وهو يكابد الدمع في عينيه.. ادخله في كيس بنطلونه.. وهب بالوقوف.. مغادرا المسجد.. فحتى بيت الله لم يسلم من قذفك يا ابي.. سامحك الله على ما تفعله بي.. وسامحني على ما فعلته بك لتصبح هكذا..
قبيل مغادرته من المسجد احس حبيب انه ترك شيئا .. تحسس مخابئ بنطلونه وتأكد من وجود المحفظة والهاتف.. التفتت الى مكان صلاته فوجد الكتاب الذي اعطاه اياه الشيخ الجليل.. ولم يعرف ان كان عليه اخذه ام تركه.. لا..انه من ممتلكات ذلك المسجد لا يمكنني ان آخذه.. ولكنه احس بالتملك ناحيته وكانه مهدى اليه على كونه خاليا من الكتابة.. هز رأسه .. ان كانت هناك صفة سيئة لا يتحلى بها فهي السرقة.. لن يسرق الكتاب.. وإنما له عودة الى هذا المسجد والى هذا الكتاب الغامض.. وعله يجد الشيخ الجليل ليخبره عن فراغ هذا الكتاب..
غادر المسجد وهو لا يعرف اين يحط بنفسه وبنفسيته الحزينة, أيعود للمنزل ويستقبل زلزلة أبيه.. أم يبقى في الشارع.. أوووف.. أكان قراره المستعجل برفض العمل مع ابو هشام صائبا؟ وبطريقه الى محطة الكارس الجميلة من نوعها استوقفته صيحات الهاتف.. لابد وانها امه.. تضع المرهم على الجروح التي يسببها والده كالعادة.. لكن لا.. انه مجيد.. صديق الدراسة الطيب, الذي ابتعد عنه حبيب بابتعاده عن الدراسة واهتمامه بالامور التافهة التي أوصلته لما هو عليه..
حبيب بنبرة هادئة مشوبة بالحزن: اهلا اهلا مجيد..
مجيد بصوته الناعس: اهــلا حبيب.. كيف الحال؟؟
حبيب وهو يشد عينيه من اشعة الشمس الساطعة: نحمد الله وكيف حالك انت..
مجيد: نـــــــــــائم.. الا ان ابي ايقظني لكي اذهب لبرنامج البعثات.. أتـأتي معي؟؟
حبيب يبتسم بألم: وما الذي افعله هناك..
مجيد: لتساندني يا رجل.. وما نفع كونك صديقي المفضل؟؟
حبيب: حسنا.. ان كنت تريدني فانا في المنامة..
مجيد يرفع رأسه بعجب: وما الذي تفعله هناك؟؟
حبيب: رحلة البحث عن العمل
مجيد يتهالك على السرير: مجددا؟؟
حبيب يبتسم: نعم مجددا.. هذا هو ثمن اللعب والتسالي بالثانوية!!
مجيد بنبرة غريبة: الحمد لله انك عرفت او بدأت تعرف قيمة ما ارتكتبه بحق نفسك
حبيب بغرابة: ماذا تقصد؟؟
مجيد: لا شي.. اين انت سآتي لآخذك..
اعطاه تفاصيل الموقع حتى لا يضيع واغلق الهاتف عنه ورنت جمله مجيد في باله طوال الوقت.. حتى عندما كان يعطيه العنوان.. "ما ارتكبته بحق نفسك" وما الذي ارتكبه بحق نفسه؟ وبعد تفكير.. وما الذي لم يرتكبه بحق نفسه؟ ما الذي لم يتوانى عنه كي يؤذي نفسه؟ كل شي.. جرب كل شي .. كان كالمجنون الذي يمر في اصعب حالات النفور العصبي.. ينتقل من هذا الى هذاك.. ومن شيء الى آخر.. حتى اضاع نفسه وبقي محاصرا بين فواصل الجمل.. لا يعرف اين طريق الخروج..
أقعد نفسه على احد الأرصفة منتظرا قدوم مجيد.. وأرحل نفسه مستعينا بخطوط الماضي الذهنية.. نحو الذكريات.. انها ليست بالقديمة.. وليست بالمغطاة بالغبار وتحتاج من يهف عليها كي تظهر معالمها.. انها حديثة.. جديدة.. اذا ذكرت بهذا الوقت فسوف يبدو موقعها الزماني اقرب من حبل الوريد.. لكن.. منذ تلك الذكريات الى هذه اللحظة امضى حبيب رحلة طويلة.. نعم.. انها رحلة طويلة.. آآآه.. بالفعل.. طويلة..
لم يستطع ان يتذكر منها الا ذلك اليوم.. اليوم المشئوم.. سمع عنه قبلا بانه اكثر الايام حنقا على البشر.. وكيف ان عناقيد غضبه تكمن لهم من حيث لا يعلمون..
========================
ظهيرة عادية.. خرج فيها حبيب الى ما يخرج اليه ككل يوم.. لم يعرف ان هذا اليوم سيبقى محفورا في جدران الزمن الذي لا ينسى ولا يمحي شيئا.. وان عرف.. لما خرج ابدا
كانت ظهيرة هادئة.. والناس في بيوتهم مضطجعين.. وهو يتجه ناحية تلك الجلسة التي يتسامر فيها مع اصحابه.. في تلك الآونة.. كان لا يعلم شيئا عن حقيبة المدرسة.. ولا يفقه شيئا من مقرر الرياضيات.. ولا يذكر شكل استاذ الفيزياء.. وقلما يهمه مدرب النادي الذي يشتكيه لوالده كل يومي احد واثنين.. ايام التدريب..
دخل الى تلك الجلسة وهو يرتب من شعره الطويل المغرق بالمثبت اللماع.. وكيف تتدلى تلك السيجارة من فمه كالموهوب بها.. سلم على الكل وذهب الى زاويته المعتادة..
احد افراد تلك الجماعة المصعلطة: ايــه حبيب.. اتريد شرابا..
حبيب من غير ان يلتفت اليه: احضر لي المعتاد..
الصعلوك بضحكته المهزوزة: لا يوجد المعتاد.. لدينا الجديد ..
حبيب: اعطني جديدك وكف عن الثرثرة..
ضحك الآخرون وحتى الصعلوك.. وغادر مسرعا ليحضر الشراب لحبيب السابق.. تذكر حبيب الحالي كيف كانت بدايته بذلك الشراب.. وتذكر كيف ان ريقه التهب حريقا عندما ذاقه.. كانت أسوا اضطرابات في المعدة قد مر بها.. ولكن.. بعد شربات متعددة.. اعتادت معدته على طعمها.. وبدأت ترحب بها وتطلبها.. غير عابئة بما قد يخلفه عليها هذا السم..
بعد ان انتشى بذلك الشراب بدأت موجة من الراحة تعم جسده.. وكأن ذهنه لا يجد شيئا يثقله من أفكاراً أو حيرة.. فبدت الحياة ولا أجمل ولا أحلى..
تحرك احد الشباب مغادرا ذلك التجمع الكريه.. فناداه حبيب بذهن ضائع:.. إلى اين..
بدى الضيق متجمع في سماء وجه ذلك الشاب: ذاهب الى البيت
حبيب وهو يحرك رأسه يمينا ويسارا: الى اين انت ذاهب؟؟ ابق هنا.. لا تغادر
الشاب وهو ينظر باحراج وحسرة الى حبيب.. يتذكره قبلا.. كان مثالا للالتزام.. وما ان صاحب هذه الجماعة اصبح مقيتا.. : لا .. يجب ان اغادر.. الى اللقاء..
الجماعة: مع السلامة..
احد افرادها: لا تنسى ليلة الغد..
لبس الشاب نعله بسرعة وتوتر.. هاربا منهم.. وكان بالمكان وباءا يحاول ان يتفاداه قبل ان يفتك به.. ظلت عيون حبيب ترقب هذا الشاب وكيف غادر من المكان.. ولاول مرة منذ ثلاثة اعوام من بدء مصاحبته لهذه الرفقة السيئة أحس ان عليه هو الآخر ان يغادر.. ولكن بأي حالة.. الخمرة قد اشتعلت فيه وهاهو يبدأ مرحلة جديدة من الهذيان..
====================
تابعو الجزء الثاني